الموسيقى و المؤثرات الصوتية Les effets sonores La musique et
تعتبر الموسيقى أو المظهر الصوتي ـ السمعي L’aspect sonore et auditif عموما، عنصرا لصيقا بالفعل المسرحي منذ القدم بأشكال وتجليات مختلفة. فمنذ العصر القديم حضر الصوت في المسرح إما في شكل موسيقى بواسطة مغنيين وموسيقيين يقدمون الفقرات الإنشادية في المسرحية أو يصنعون المؤثرات الصوتية التي تحيل إلى الظواهر الطبيعية مثلا كالرعد والبرق والزلازل، أو بواسطة الأقنعة التي كانت تنتج أصواتا غير عادية وغير طبيعية من لدن الممثلين الذين يضعونها على وجوههم، وكانت في الغالب تساعد الممثل على تقديم الكائن الخرافي أو الأسطوري الذي يجسده. ومع المسرح الإيهامي أصبح للعنصر الصوتي اهتمام لافت انطلاقا من بناء القاعات من منظور مراعاة شرط الرؤية بين الممثل والمتلقي، وشرط سماع النص. لكن مع المسرح الحديث، ومع مجيء التكنولوجيا الحديثة والتحكم في الكهرباء، تأثر عمل المخرج بالظروف الطارئة وبدأت مجموعة من الجماليات المسرحية تؤسس تطورها وامتداداتها انطلاقا من توظيف الآليات المستحدثة وضمنها الصوت والموسيقى لكي تأخذ المتلقي خارج جدران المسرح كمرحلة أولى، ثم إلى عوالم بعيدة في مرحلة بعدية. وهكذا إلى أن صارت الموسيقى والمؤثرات الصوتية عنصرا مركزيا يشتغل دلاليا وجماليا في البنية الدرامية للعرض المسرحي، بل نصب نفسه لغة تعبيرية وإشارية دالة من حيث تعويضه لصمت الكلمة (النص) وتوقف الحركة (التمثيل وفعل الجسد)، وانبراؤه لترجمة الخطاب بمظهر سمعي يحمل المعنى والمتعة. فالموسيقى، إذن، تستطيع أن "ترافق خطوط الفعل وحبكة العمل الدرامي، فإنها تسعى، وفي ضوء قوة الفكر والخيال للمؤلف الموسيقي إلى توفير المناخات الحسية التي تعطي فضاءً لوحدات العرض كما تشبع أذن وخيال المتلقي بنشوة إمتاع سمعي، وتتيح لمؤلف العرض الدرامي أن يشحذ إشاراته أو دلالاته في الحالة التعبيرية للموسيقى"(16).
وتحضر الموسيقى في العرض المسرحي لتؤدي مجموعة من الوظائف منها إتمام المظهر العام للفضاء المسرحي، فإذا كان الديكور والإضاءة يؤسسان المظهر المرئي للفضاء، فإن الموسيقى تتمم ذلك بمظهر سمعي. كما أن الموسيقى تعبير عن الزمن وتصور فني له، إذ تقدم المظهر الزمني للعرض، بما فيه الزمن الفيزيقي والزمن النفسي والزمن التخييلي انطلاقا من القدرة التي تمتلكها في أخذ المتلقي إلى زمنية خاصة لا تعد بالساعات والدقائق؛ بل إن الموسيقى تشكل التقاء الزمن والمكان بتكاملهما الفلسفي في الإنجاز المسرحي، ويظهر ذلك جليا، مثلا، في أوبريت الموسيقار الألماني "فاغنر Wagner" "حيث تعتمد فكرة العرض الأوبرالي على وحدتي الرقص والموسيقى وتتكامل في دلالة أن الرقص تعبير عن علاقة الجسد بالمكان أما الموسيقى فإنها تعبير عن علاقة الدلالة بالزمان وهكذا تتكامل فلسفيا وحدة العرض الأوبرالي"(17).
أما عن مظاهر حضور الموسيقى في العمل المسرحي فإنها إما أن تكون عبارة عن مجموعة من الأصوات الاصطناعية Bruitage، أو مؤثرات صوتية Des effets sonores، والعلاقة بين الاثنين قريبة جدا، غير أن الأولى لا تحمل معنى في ذاتها وتنتج أصواتا تبدو اعتباطية بمعزل عن الحالة التي توظف فيها، بينما الثانية تحمل معنى في ذاتها وتؤشر على أجواء معينة كالطوفان والغرق أو الرعد والبرق أو هدوء البحر وهيجانه...وتحضر أيضا في شكل موسيقى تحترم القوانين الإيقاعية والألحان والأوقات Les temps، أو في شكل أداء غنائي بواسطة موسيقى مصاحبة أو دونها، إما داخل الخشبة أو خارجها باعتبارها أصواتا خارجية Des voix off.
إن التوظيف الموسيقي في العرض المسرحي كان ينطلق من كون هذا العنصر إما تأليفا موسيقيا خالصا يقدم مقطوعات غنائية أو ألحانا موسيقية. أو يكون عبارة عن أغنية جاهزة يتم توظيفها. وعلى مستوى التوظيف يكون هذا العنصر في الغالب مكونا مصاحبا يمكن اعتباره نصا موازيا يُستثمر للتعبير على حالة أو موقف، أو للتمييز بين حدث وآخر، أو للتفريق بين الفصول والمشاهد. وقد يصبح العنصر الموسيقي ـ غناء كان أو لحنا ـ جزءا من النص الدرامي، وبالتالي، تصبح الأغنية مثلا عنصرا في التأليف الدرامي وليست لحظة موازية لمتوالياته، وهنا يصبح لها نفس مكانة الحوار المسرحي لأنها تقوم مقامه، وتشكل بديلا عنه أو عن المونولوج. كما أن من المظاهر اللافتة في التوظيف الموسيقي من منظور جمالي، تلك التجارب التي وظفت العنصر الموسيقي بشكل مفارق، لغرض فني يتمثل في جمالية الانزياح والإيحاء، وذلك حين تكون الموسيقى بعيدة عن الموقف أو الحدث، بل مفارقة له تماما عن قصدية مبيتة. وهذا التوظيف الموسيقي بمختلف أشكاله ومنطلقاته وغاياته كان يتوحد في خلق العنصر الجمالي من منظور سمعي يتضافر مع المكونات الجمالية الأخرى ذات المادة البصرية لتنتج تكاملا في المتعة التي تتحقق عند المتلقي /[/url[/img]