[size=12]ما الوساطة : الوساطة كلمة ، والكلمة منطوق ومفهوم قد تكون بمعنى واحد علميا ن وقد تكون دلالة على تجربة وعنوان وعلم: وقد تكون مصطلحا علميا يكون جزءا من نسق فكري وجهاز معلرفي ، وقد تكون امارة على شيء نفهمه ولا ندركه ، نحسه ولا نستوعبه
ومن هنا كانت قيمتها واهميتها ، فهي نعمة من نعم البيان وخاصة من خاصات الاسنان وهبة من هبات الرحمان ، وهبها الانسان ليمتاز عن الحيوان يضمر مكنونها الجنان وينطق به اللسان.
والبيان كما ذكر الاوائل ، على اربعة اوجه: فمنه بيان الاشياء بذواتها وان لم تبن لاتها ومن البيان الذي يحصل في القلب عند اعمال الفكر واللب، ومنه البيان باللسان ومن البيان بالكتاب، وهو الذي يبلغ من بعد وغاب.
ثم ان الله عز وجل لما علم ان بيان الاشياء مقصور على الشاهد دون الغائب وعلى الحاضر دون الغابر واراد تعالى ان يعم بالنفع في البيان جميع اصناف العباد وسائر افاق البلاد ، وان يساوي فيه بين الماضيين من خلقه، والاتين ، والاولين والاخرين، الهم عباده تصوير كلامهم بحروف اصطلحوا عليهخا فخلدوا بذلك علومهم من بعدهم وعبروا بها عن الفاظهم ونالوا به ما بعد عنهم وكملت بذلك نعمة الله عليهم ، وبلغو بهذه الغاية التي قصدها الله غز وجل، وفي افهامهم واقامة الحجة عليهم.
الوساطة اذن كلمة واصطلاح ، وكل اصطلاح يحمل في طياته مفهوما او عدة مفهومات تتكون وتتبلور فقي السياق وتتباين من حقل معرفي الى حقل معرفي اخر، لذلك نقول ان الوساطة مفهوم او دلالة قد تستقر عندما تستعمل -مثل كل كلمات اللغة- في نطاق محدد وقد تعتريها تقلبات فتنزاح عن معناها الاول وتكتسب بقعل الاستعمال والتغيير معاني اخر اقتضاها التواضع والاصطلاح.
والوساطة صارت تفرض نفسها بالحاح على الانسان في شتى مظاهر ومجالات الحياة
1- من الناحية الاجتماعية والفكرية على السواء، ويلاحظ ان الوساطة بلغت من الذيوع والاهمية بحيث انها تبدو وكانها اضحت تتحكم فينا ، وتحاول الوقوف -كما قيل- بين قرارنا وسلطاتنا*
بدات الوساطة تتصدر حياة الانسان وتتوسط بين عقله وقلبه كما يتوسط انفه وجهه ، وتقوم بوظيفة البصر في مراقبة الانف حسب الصورة التي رسمها شكسبير على لسان شخصياته
قال بهلول:للملك : اتستطيع ان تقول لي لم كان انف المرء وسط وجهه
اجاب الملك: لا
بهلول انا اقول لك، لكي تكون عين على كل ناحية من الانف فما يعجز عن شمه يستطيع ان يراه*
واذا اردنا ان نسوق امثلة من الناحية الاجتماعية التي هي في اصلها طبع وغريزة، واجهنا سيل من الوقائع والتجارب ، ففي المراحل الاولى من عمر الانسان يظل هذا الكائن في حاجة الى من يتعهده ويسهر على حمايته وتربيته وتغذيته... ويعني هذا ان هناك من يتوسط بينه وبين حاجاته ورغباته العضوية والفطرية ، ويقوم الوالدان والاقارب بدور الوسيط في هذه المرحلة .
وفي مرحلة تالية ، حين ينتقل الانسان الى طور الطفولة فيذهب الى الكتاب او المدرسة يتدخل الفقيه او المدرس في شؤونه ويعمل كل منهما على تلقينه ما يحتاج من معلومات وواجبات دينية ودنيوية واخلاقية.
وفي مرحلة النضج والاكتمال الجسمي والعقلي يتخلص المرء من وسطاء المرحلة السابقة ليقع في قبضة وسطاء جدد، حين تضطره ظروف الحياة وتصاريف الزمان اللجوء الى اشخاص او هيئات او جمعيات طلبا للحماية او الانتماء او رغبة في اثبات الذات وتكوين الاعتبار،اوالتماسا لجاه اوطلبا في المال... اوتطلعا فيه الى تحقيق هدف من الاهداف.
وهكذا يتبين ان الوساطات تحاصر الانسان من كل جهة ، فهو مضطر الى التعامل مع اصحاب المهن الحرة ، مع القصاب والنجار والصباغ، مع التجار (الوسطاء)وغيرهم ممن يحتاج اليهم في حياته العملية ، كما هو مطالب بالانتماء الى جمعية من الجمعيات المختلفة حماية لحقوقه او لارضاء رغباته وميوله او لتكوين شخصيته او لتحقيق اي هدف اخر.
تلخيص عبد الرزاق شوبان يتبع[/size]