يا سادة يا كرام هذه القصة قصة حقيقية ، حدثت في احدى قرى هذا الوطن الغالي . انها قصة طفلة صغيرة من فلسطين ، طفلة لم تكمل ربيعها السادس ، قلبها كان يمتلىء بالحب في زمن مات فيه الحب . دعوني أروي لكم قصتها راجيا من الله أن تدركوا مغزى هذا الكلام .
في الايام الاولى للانتفاضة المباركة بدأت هذه القصة ، أحلام كانت طفلة صغيرة لكنها كانت ذكية جدا ، و تملك اجمل ابتسامة في العالم لا تفارق وجهها الطفولي البريء. كانت منشغلة في المنزل و هي تقوم بلف صندوق صغير بورق مذهب اشترته من السوق ، و هي تلف الهدية و غارقة في تغليف الهدية بالورق المذهب دخل والدها الغرفة ، فاستشاط غضبا من ابنته التى تهدر النقود في شراء هذه الاوراق في وقت كانت فيه الاسرة بحاجة الى كل قرش من القروش . صرخ الوالد على الطفلة البريئة و ضربها ، فبكت الطفلة بحرقة و ركضت الى غرفتها ، و اغلقت الباب عليها و اخذت تبكي، و لكنها لم تكره و الدها فهي كانت تحبه كثيرا و لم يكن لها سوى اباها بعد وفاة والدتها أثر مرض عضال لم يمهلها الكثير ، فكان والدها يعوضها عن حنان الام الذي فقدته من صغرها .
في اليوم الثاني و بعد عودة والدها من العمل ، حيث كانت احلام بانتظاره على أحر من الجمر ، و بمجرد فتحه للباب اسرعت اليه و حضنته و قالت له : " كل عام و انت بخير يا بابا " و قدمت له الهدية التى كانت تقوم بلفها بالامس . فأدمعت عيناه لانه كان قاسيا معها بالامس ، و ضمها الى صدره و اخذ يقبلها و يعتذر لها لما فعله معها بالامس . حضنت الطفلة أباها و قبلت يديه و قالت : " أنا لم أغضب منك يا بابا فأنا أحبك كثيرا ، و انت كل شيء في الدنيا لي ". ثم أكملت : " بابا افتح الهدية ." قام الاب بفتح الهدية فوجد صندوق ، و عندما قام بفتح الصندوق وجده خاليا ، استشاط غضبا من جديد و أخذ ينهرها و يقول : " ألا تعرفين أنه يجب عندما تقدمين هدية أن يكون هناك هدية اصلا !! " فأجبت : " يا بابا الصندوق فيه هدية لقد ملئته بمئات القبل لك يا أبي ، فأنا لا أملك سوى هذا لأقدمه لك ". حضن الاب ابنته بكل حنان و قبلها .ان هذه الطفلة قدمت لابيها أغلى ما يمكن أن يقدمه الطفل لوالده و هو الحب .
مرت الايام ، و أثناء القصف على القرية التى تعيش فيها هذه الطفلة ، خرجت الطفلة دون علم والدها الى خارج البيت لتلعب مع الاطفال ، و لكن رصاصة غادرة أصابتها في قلبها و ماتت على الفور . ماتت الطفلة المليئة بالحب و الصفاء و النقاء ، ماتت البراءة دون أسباب ، و انفطر قلب والدها عليها ، هذا الوالد الذي لم يعد له في الدنيا أحد بعد وفاة زوجته و ابنته الوحيدة .
و بعد مرور خمسة شهور على هذه الحادثة ، ما زال الوالد يحتفظ بالصندوق المليء بالقبل بجانب سريره ، فهو الكنز الذي بقي له من طفلته التى كانت ملاك بثوب طفل . و كان كلما شعر باليأس و الحزن فتح الصندوق الصغير و تخيل أنه يخرج قبلة من داخله ويقبلها و كأنه يقبل ابنته ، فترتسم على وجهه الطمأنينة و الصفاء ، فكان هذا الصندوق هو الأنيس و الكنز الكبير الذي من أجله قاوم هذا الرجل ذل الحياة ، و ضيق الحال و الخوف و الحزن .
استطاع أن يقاوم كل صعاب الحياة بالحب ، نعم الحب . ان كل انسان منا يمتلك مشاعر كبيرة من الحب و العواطف التى يمكن أن يسعد بها كل من حوله . و كذلك يسعده الاخرين بحبهم له . فبالحب سنكون أقوى ، و أكثر تماسكا للوصول الى مبتغانا.
تكاتفوا با أبناء شعبي ، و أحبوا بعضكم بعضا ، و كونوا يدا واحدة حتى نصل الى هدفنا ، و هو دولة قوية ، مستقلة ، موحدة ، و حرة . بالحب فقط تأتي الحرية و يفوز الوطن بأبنائه